السبت، 25 سبتمبر 2010

محطة وصول

محطة وصــــــول


أخذ يحث الخطى للحاق بتلك الحافلة. كان عليه أن يغافل تعبه، يتناسي همه كي يصل. زحام شديد حوله وداخله. تسارع الأفكار إلى رأسه وتصاعد الحنين يطغى على كل ما يراه.
أخيرا اجتاز الأجسام المندفعة واتخذ مكانه جوار النافذة. جلس في ثبات لن يحرك رأسه يمينا ولا يسارا. لكن ذاكرته تشده للوراء رغم أن خطواته كما يرى تتجه للأمام.
كيف يمكن أن يستمر الفقد دون مقابل؟ تفقد وطنا أهلا، حبيبا، ثم تبدأ روحك في التلاشي……….. أراح رأسه إلى ظهر المقعد وأغمض عينيه، كيف يوقف هذا السيل؟


تخيل نفسه في مرعي أخضر متسع لا شيء يحده، ونهر صغير يتخلل الأرض يسقيها ويسقي روحه. أسراب الطيور ترتفع أصواتها في عذوبة ترف في شفافية حوله، وأزهار تتناثر في جمال وأشجار البرتقال والليمون تعطر المكان. ها هنا كل شيء يبدو حرا طليقا. الطيران هنا ليس بعيدا، ما أجمل….
وفجأة تنهار الأرض تحت قدميه ويهوي بسرعة هائلة……..فيفتح عينيه منتفضا وهو يميل بحده كاد معها أن يصطدم …
بها…..
كانت تجلس في المقعد المقابل وعكس جميع الناس بالحافلة
كانت تتطلع إلى السماء
نظر إليها للحظة فتساءل كيف يمكن أن يبكي الإنسان دون دموع؟
كان وجهها هادئا مثل صفحة البحر في يوم ربيعي هادئ أراد الموج أن ينام فيه، وعيناها من قال أن للحزن لون فعيناها لونا الحزن.
كان يتأملها حين التفتت إليه فأدرك كيف يسقط المحاربون بالمعركة حين يحتل قلوبهم القهر/ عيناها
حرب دارت في عينيها، فأي هزيمة عشتها أنا؟
كاد أن يسألها: ما سرها؟ لكنها عادت تتأمل السماء
البعيدة..............
إنها تعاود البكاء الآن دون دموع فأي شلال يتدفق في قلبها؟، وأي ضعف قوي اتخذ لنفسه مكانا داخلها فعزلها عن العالم، كيف يكسر هذا الحاجز بينهما؟ لماذا تشده إليها؟ إنها تعيد تلك الصور إلى عينه. داخله سباق لا ينتهي من البوح والكتمان، تدفعه لأنه يعيشه مرة بعد مرة


أخيرا تكلم: صافيه هي السماء اليوم.
لم يبد عليها أنها سمعته ولا يبدو أنها تراه. أي شعور ينتاب الصغير حين يبحث عن أمه فلا يجدها، أي بكاء يعتريه؟
ثم أي فرحة يشعر بها حين يراها؟حيث قالت أخيرا: نعم صافية ورائعة دوما
هو: دوام الحال من المحال
هي: السماء دوما أفضل من رياح الأرض
هو: لن نسير دون أن ننظر إلى ما أسفل قدمينا
هي: ولن نستمر إذا ما كانت عيوننا إلى الأرض
كانت تفتح داخله سردابا أخر أغلقه من زمن، أي قوة لها كي تستدر الكلمات من عمق ذلك السرداب إلى شفتيه.
أراد أن يلطم الهواء الذي يسد المسافة بينهما: لماذا تصر على الصعود؟
كان يفتش عن سر هذا النور في وجهها رغم أن عينيها كانتا سماء أخرى
قرر أن يخترق حدودها فقال: ما محطتك
هى: التالية
مرت المحطة التالية فالتالية: وهي جالسة دون حراك، أراد أن ينبهها محطتك؟
هي: ليس بعد
هو: وما محطتك؟
هي: حين أصل تكون محطتي
بأي قوة تدخل عالمي؟ وكيف تسافر داخلي دون أن تعلم أنها تفتح كل الأبواب المغلقة، فتسقط أمامها كل معاقل القوة.
الآن لا مجال للتراجع، إنها تحتله بإرادته، سوف يرحب بتلك الوافدة ويرفعها إلى قلبه. أخذ يلاحق روحها بكل اتجاه، يفتح طرقا للحوار. معها تنفتح طاقات للفرح في نفسيهما أخذ يتكلم ويتكلم ويمضي وهي معه.
وابتسمت عيناها فأمكنه للمرة الأولي أن يرى الشمس تشرق في قلب الليل.
تري بما يشعر القمر ليلة اكتماله؟ سؤال تردد في نفسه حين التقت عيناهما في تلك اللحظة. شعر أن الناس تختفي،و أن الحافلة تطير والسماء تقترب كثيرا فيمكنه الصعود إليها بقفزة واحدة.
تحدثا طويلا ..... صمتا طويلا. .... ما أقصر الانتظار إن كان قلبها بالنهاية. أخيرا سوف يلقي حزنه بعيدا يبدل قلبه بأخر وليد. لن يضيع هذه المرة. لن يثنيه خوفه،و تعبه لن يمنعه. هي الشمس فهل تتكرر الشمس مرتين؟
أخيرا نهضت قائلة: محطتي وعيناها تقولان: هل تأتي معي؟
عيناه في تأكيد: وهل أضيعك؟
تحرك معها.. قبلها. وراءها.......أمامها..... تحركا معا
تركا الحافلة.. هبطت إلى الأرض......هبط إلى الأرض
كان معها
لكنه.........
لكنها............

توجهت يمينا..... واتجه يسارا
ومضيا
كل في اتجاه

رحاب البدوي  2004

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق